فى اجتماع لجنة مكتبة الأسرة التى يحضرها أساتذتى من خيرة مثقفى مصر دار حوار قصير ما بين د. مصطفى لبيب، الفيلسوف الموسوعى والذاكرة الثقافية المصرية التى تسير على قدمين، والشاعر الكبير سيد حجاب الذى أدين له ومعى أجيال وأجيال بتشكيل الوجدان وصياغة الذائقة الفنية بأشعاره التى دوماً تمس الروح والعقل. الحوار كان عن الهوية المصرية التى تخوّف «حجاب» من الإلحاح فى طرحها، وقال إن المهدَّد الحقيقى والذى هو فى خطر فعلى ليس الهوية وإنما التقدم. والحقيقة أن التقدم مهدد والهوية أيضاً مهددة، التفكير الأصولى الحرفى وعصابات التطرف الدينى مهددة للتقدم والعلم وهى على عداء شديد وواضح وسافر معه، والسبب بسيط، فالعلم والتطرف لا يتعايشان تحت نفس السقف، فجوهر فكرة العلم هى نسبية التفكير والسؤال الدائم والقلق المزمن وعدم تقديس البديهيات ومحاولة التجريب الدائم لاختبار صحة هذه البديهيات، لا خطوط حمراء عند العلم، هو طائر محلق لا تمنعه أسوار أو جدران أو أسقف أو قيود. بالطبع كل هذه الأفكار ضد عقيدة تلك التنظيمات، لذلك فهى تعادى العلم وتجعل التقدم العلمى فى مرمى النيران وتحت القصف وهدفاً واضحاً للتنشين والتفجير، لأن العلم محرض على السؤال ومزعج مشاغب لا يمل من التشكك، كذلك الهوية التى لا ننظر إليها ونعرفها من وجهة نظر شوفينية أو عنصرية ولكنها بتعريف طبى بسيط هى الـ«دى إن إيه» المصرى الذى هو فن ووجدان وسلوك وتعامل وثقافة... إلخ. بالطبع كل هذا كان مهدداً بتلك العقلية الجهولة المتطرفة القاسية المتبلدة، الـ«دى إن إيه» المصرى كان على وشك التحلل والاحتلال بفيروس العقلية الإخوانية الذى تعامل مع نواتنا الثقافية الوجودية بنفس الطريقة التى يتعامل بها فيروس الإيدز الذى يخدع الـ«دى إن إيه» ويقول له: أنا ربك الأعلى ولتأخذ الأوامر منى لا من غيرى فأنا الفرقة الناجية، ويبدأ فى استغلاله لنفسه وإخضاعه لمآربه الخاصة، حتى يصبح الإنسان والوطن بلا مناعة وتنهار كل خطوطه الدفاعية وتموت هويته ويغتال وجوده من مجرد بكتيريا عابرة حقيرة تسكن جسده الواهن البائس. احتلت الكآبة والتجهم والعبوس والفظاظة والجلافة وجوه المصريين وقلوبهم وسلوكياتهم فى غفلة من الزمن، تم إعطاء كتف غير قانونى لعبدالباسط عبدالصمد والمنشاوى ومصطفى إسماعيل من وجدان المصريين ليحتله الحذيفى والسديسى وطابور مقرئى النغم الواحد الرتيب الخالى من لمسة الفن المصرية، احتلت الطقوس الشكلية أدمغة المصريين، اختفت عبارة «الدين المعاملة» و«ربك رب قلوب» وانتشرت لافتة «النقاب قبل الحساب» و«تعطر المرأة زنا». أصبحنا نمشى فى الشارع ونتساءل ونحن ننظر إلى كل مظاهر القبح وسلوكيات العفن فيه: هل هؤلاء هم المصريون الذين كنا نعرفهم أو قرأنا عنهم أو حكى لنا الآباء قصصهم وحكاياتهم؟! ليس التقدم وحده هو المهدَّد، وليست الهوية وحدها هى التى فى مرمى النيران والقصف، الاثنان مهددان بنفس الدرجة ومرتبطان بنفس الضفيرة، وعلينا أن ننهض بالعلم وبالفن وإلا سننقرض.